ما الذي نقوم به للحد من هدر الطعام؟

02/08/2017 البيئة والطاقة | معاي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي

 10969     0


معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير التغير المناخي والبيئة: ما الذي نقوم به للحد من هدر الطعام؟


 إن قضية هدر المواد الغذائية تحظى بأولوية خاصة، ليس في دولة الإمارات العربية المتحدة فقط، بل في مختلف دول العالم، كونها ترتبط ارتباطاً مباشراً بحياة الناس وظروفهم المعيشية والاقتصادية. وتقدر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن ثلث المواد الغذائية المنتجة تتعرض للتلف أو الهدر عبر مختلف المراحل، بدءاً من الإنتاج الزراعي، والتجهيز، والنقل، والتخزين، ووصولاً إلى المستهلك النهائي. فهناك 1.3 مليار طن من المواد الغذائية تهدر سنوياً، أي ما يعادل 2.6 تريليون دولار على المستوى العالمي، بما في ذلك التكاليف الاجتماعية والبيئية، كما إنها تشكّل حوالي 8٪ من انبعاثات غازات دفيئة. وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من إنتاج ما يكفي من المواد الغذائية، إلا إنه لا يزال هناك اليوم حوالي 795 مليون شخص حول العالم، أي ما يعادل فرد من كل 9 أفراد، يعانون من سوء التغذية. ولهذا السبب، وضعت الأمم المتحدة هدفاً لخفض معدل هدر الغذاء العالمي إلى النصف بحلول عام 2030، وذلك كجزء من أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها كافة الدول في عام 2015.


كما إننا في كثير من الأحيان، لا نتناول كل الطعام الموجود على أطباقنا أو قد تتعرض المواد الغذائية من اللحوم والخضروات المخزّنة في ثلاجاتنا للتلف والفساد، وذلك لأسباب مختلفة، منها إعداد كميات كبيرة جداً أو طلب ما يفوق حاجتنا من الطعام، أو التسوّق المفرط وغير المخطّط له، أو نسيان تاريخ انتهاء صلاحية المواد الغذائية.


ولكن مهما كانت الأسباب، فإن النتيجة واحدة، وهي أن الطعام المهدور يضرّ بكل من اقتصادنا وبيئتنا. فنحن نهدر مواردنا الطبيعية الثمينة، وخاصة المياه الجوفية سريعة الاستنزاف والمستخدمة في الإنتاج المحلي للخضراوات والفواكه، كما أن تكاليف استيراد المواد الغذائية تذهب دون جدوى عندما يصبح مصير المنتجات الغذائية الهدر أو التلف، حيث تشير تقديرات بنك الإمارات للطعام إلى أن هدر الغذاء يكلّف الاقتصاد الإماراتي ما يصل إلى 13 مليار درهم سنوياً. وعلاوة على ذلك، فإن المواد الغذائية التي ينتهي بها المطاف في مكبات النفايات تطلق غاز الميثان، الذي يساهم في زيادة الاحتباس الحراري العالمي بشكل أكثر خطورة من غاز ثاني أكسيد الكربون.


فماذا يتعين علينا القيام به هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة؟ نحن بحاجة إلى توحيد الجهود لإيجاد حلول مبتكرة وفعّالة لتقليص كميات الطعام التي يتم هدرها. وقد وجدت دراسة استقصائية أجراها معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا، وشملت 45 فندقاً، أنه يتم تناول 53٪ فقط من وجبات الإفطار. وخلال فعالية نظمتها وزارة التغير المناخي والبيئة بالتعاون مع شركة "وينو" لحلول الحد من هدر الغذاء بهدف التوعية بأهمية الحد من هدر الغذاء خلال شهر رمضان، ناقش ممثلون عن قطاع الضيافة أهمية حساب كمية المواد الغذائية التي يتم هدرها في المطابخ، حيث أثمر وزن وتتبع الطعام المهدور إلى تقليصه بنسبة تجاوزت 50٪ في بعض الحالات، وإلى إمكانية التخطيط لإعداد الطعام بشكل أفضل. كما يتجه قطاع الضيافة نحو تقديم خدمات انتقائية على خدمات البوفيه لتقليل هدر الطعام، ونأمل في أن نرى تطبيق هذه الجهود والحلول المبتكرة عبر كافة أنحاء الدولة.


نحن بحاجة أيضاً للتعاون المشترك على إعادة توزيع الفائض من المواد الغذائية القابلة للاستهلاك. وقد جاء إطلاق بنك الإمارات للطعام في وقت سابق من العام الحالي كمبادرة عظيمة من سيدي صاحب السمو محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في عام الخير للمساهمة في الحد من هدر الغذاء ومساعدة المحتاجين من خلال إعادة توزيع الطعام الفائض. وهناك العديد من المبادرات الأخرى في مجال إعادة توزيع الطعام الفائض، مثل مبادرة "حفظ النعمة" التي أطلقتها جمعية الهلال الأحمر الإماراتية، ومبادرة "وفاء" التي أطلقتها مجموعة دبي للأغذية والمشروبات تحت مظلة غرفة تجارة وصناعة دبي، بالإضافة إلى المبادرات المجتمعية الأخرى مثل "ثلاجات بنك الإمارات للطعام". وفي إطار مبادراتها في عام الخير، أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة مؤخراً مبادرة "ثلاجة الأسماك" المخصصة لجمع الأسماك المصادرة والتي يتبرع بها الصيادون ومحلات البيع وإعادة توزيعها على الأسر المتعففة بالتعاون مع الهيئات المحلية والجهات المعنية.


ومن ضمن العوامل الهامة الأخرى للحد من هدر الطعام، تغيير سلوكياتنا تجاه الغذاء من حيث أساليب الزراعة والتسوق والإعداد والاستهلاك. وعلينا جميعاً، منتجين وبائعين ومستهلكين، أن نتمتع بمستويات عالية من الوعي والحكمة للتقليل من الهدر وتحقيق الفائدة للجميع من خلال تقليص التكاليف الاقتصادية والبيئية، وتجنب تكاليف الرعاية الصحية من خلال توفير الطعام الملائم والمغذّي.


ولكي يتحقق ذلك كله، يتعين علينا زيادة الوعي من خلال إطلاق المبادرات والبرامج المبتكرة عبر كافة المستويات والفئات في المجتمع. على سبيل المثال، يقوم الشباب ضمن مبادرة الجامعات المستدامة، التي أطلقتها هيئة البيئة- أبوظبي، بتثقيف المطاعم حول هدر الطعام وربطهم مع مزارعي الماشية لتحويل نفايات الأغذية إلى سماد وعلف حيواني كجزء من أنشطة التوعية المجتمعية.


ولكن التغييرات السلوكية تستغرق وقتاً طويلاً ولابد من البدء في وقت مبكر. ومن هذا المنطلق، أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة مبادرة "الحدائق الكروية" التي تستهدف إشراك 28 مدرسة عبر الإمارات السبع لتثقيف الطلاب حول الاستهلاك المستدام وتشجيعهم على زراعة الغذاء بأنفسهم. وبالمثل، قامت بلدية دبي بتركيب صناديق لتحويل نفايات الطعام إلى أسمدة في جميع المدارس في دبي لاستخدامها في زراعة المدارس وتجميلها، والمساهمة أيضاً في زيادة الوعي بين الطلاب.


لا شك أن الأفكار والتقنيات المبتكرة ستساعدنا على إحداث الفرق الذي نطمح إليه، ولكن التدابير والسلوكيات البسيطة هامة أيضاً. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، يمكننا تحضير أو طلب كميات الطعام التي نقدر على تناولها فقط، أو تحويل الطعام الفائض إلى طبق آخر، أو شراء المنتجات الغذائية التي قد لا تكون بالشكل أو الحجم الأمثل. لنعمل معاً على توحيد الجهود واتخاذ تدابير استباقية لخفض النفايات المتولّدة من المنتجات الغذائية والحد من هدرها بشكل دائم ومشاركتها مع المحتاجين


تعليقاتكم

لا يوجد تعليقات حالياً.


(success)
Start chat button