الإدارة بالكاريزما

10/12/2018 عام | عبيد خميس النقبي

 5132     0

الكاريزما كلمة يونانية تعنى الهبة أو الهدية أو التفضيل الإلهي ،وغالبا ما تستخدم هذه الكلمة لوصف أولئك النفر من الناس الذين يتمتعون بحضور طاغي في عالمنا.
وهي تمنح لمن يمتلك صفات تعتبر جزء لا يتجزء من كيانه يحملها معه في حله وترحاله وأينما كان وتواجد وقد تمتد إلي ما بعد رحيله عن الدنيا .
ويعتقد البعض أن هذه الصفة لا يمكن أن تتجلى في الإنسان وأنها مرتبطة بعوامل مؤقتة  سرعان ما تتلاشي بزوالها أو هي مواقف لحظية تظهر في ظروف معينة . ولا أبتعد كثيرا عن هذه المعتقدات ولكنني على يقين كامل بوجود الكاريزميين في حياتنا .
لم يستمد الشيخ زايد طيب الله ثراه صفات الكاريزما لمجرد أنه رئيس دولة الإمارات فقط بقدر ما كان هذا الرجل يتمتع بصفات أخرى جعلته مؤهلا أن يعيش مخلدا في قلوبنا إلي اليوم ولآجيال تمتد بعدنا .
كتب التاريخ صفات زايد وحفظها لأنه كان بعيد النظر، مستشرفا للمستقبل ، حكيما وسديد الرأي ، واثق القرار والخطى لا يتردد ، يحمل قلبا يتسع المسلمين والعرب ، حمل هم الأمة وقارب وجهات النظر وعمل على رأب الصدع وبناء البيت العربي من جديد ، أراد لشعبه الخير والسعادة ،فبذل الغالي من أجله ليبقى حضوره أقوى من غيابه.
لذلك كان زايد كاريزما الإمارات بل كاريزما العرب والتاريخ .
قد تكون النجومية لدى البعض هي سبب الكاريزما ، وقد تكون الزعامة هي السبب ، وهناك كاريزما المدير الذي يستمدها من حب من حوله وإخلاصهم وهنا يجمع بين دوره كمدير وقائد ، ولا يستمدها من القانون وسلطته الرسمية حين يؤدى دوره فقط في تنفيذ المهام .
لذلك يفرق علماء ومفكرى الإدارة اليوم بين المدير والقائد ، فالمدير ينفذ المهام عن طريق الموارد البشرية والمادية المتاحة له  في إطار الأنظمة والقوانين والتشريعات ومهمته توظيف تلك الموارد لإنتاج السلعة أو الخدمة .
بينما القائد يقود الناس لأداء تلك المهام برضاهم وقناعتهم ولا يهتم بتفاصيل العمليات والإجراءات والمهام  بالقدر الذي يهتم فيه بإختيار من ينفذ تلك المهام .
القائد من يملك الثقة في نفسه وفي قدراته وقدرات من يتبعه ،فلا يكتفى بمجرد التفويض لمن يقود بل يعمل على تمكينهم .
والفرق بين التفويض والتمكين هو أن التفويض أن تمنح الصلاحيات وتحدد الوسائل والأدوات وطريقة التنفيذ بينما التمكين أوسع من ذلك ،حيث يعنى ان يترك القائد لمن فوضه حرية تنفيذ ما يطلب واختيار الوسيلة والطريقة والأدوات .
المدير رؤيته للأمور غالبا ما تكون قريبة وقصيرة ، ويحاول أن يغطي قصور معارفه ومهاراته وضعفه أحيانا بالتذكير بأنه المدير ولا بد للجميع أن يطيعه وينفذ أوامره ،بينما القائد بعيد النظر له رؤية ثاقبة وينظر للأمور رؤية شاملة ومتكاملة .
 
إن أول صفات الإدارة بالكاريزما أو الصفات التي يجب أن يتمتع بها القائد هي
دقة الفهم وحكمة التواصل  فهو يعمل كهمزة الوصل بين القيادة في المستويات العليا وبين الموظفين في المستويات الوسطى أوالمستويات التنفيذية حسب موقع القائد
 .
وحلقة الوصل هذه لا بد ان تمتاز بدقة الفهم وحكمة التواصل ، دقة الفهم حتى لا يحدث سوء فهم وتفسير خاطئ من أحد الأطراف فيتأثر العمل والعاملين سلبا ، وحكمة التصرف تقتضى الهدوء والتفكير المتأني قبل أية ردة فعل مندفعة قد ينتج عنها كارثة إدارية أو مالية للمؤسسة .
فالمدير حتى يكون قائدا كاريزميا ناجحا لا ينبغي أن ينقل كل ما يسمعه من الإدارة العليا للموظفين كما هو ،بل عليه أحيانا أن يتصرف بذكاء فبعض القرارات أو التصريحات قد يساء فهمها من الموظفين أو العمال مما يحدث بلبلة وفوضى ، فيحسن تقديرها وترجمتها .
والعكس صحيح تماما حيث لا يجب على المدير أن ينقل كل صغيرة وكل المشاكل للإدارة العليا  ، بل يجب عليه أن يعمل على حلها وتحويلها إلي فرص لزيادة الإنتاج وتقوية علاقات الموظفين ببعضهم وتعزيز ولائهم المؤسسي .
قوة المهارات الفنية والإلمام بالتخصص والمعرفة من الأمور الهامة التي تعزز ثقة المدير بنفسه وبالتالي حتما ثقة من يعملون في إدارته في مهارات وقدرات قائدهم وبالتالي السير خلف رؤيته بقوة ودعم جهوده ، لأنهم يرون فيه شخص قوى متمكن واثق الخطى وحازم في قراراته ويحقق نتائج واضحة ومتقدمة.
القدرة والرغبة
من المقومات الرئيسية للمدير الكاريزمي الرغبة  ، فإذا لم تكن لك قاعدة قوية من المشاعر الصادقة والجياشة لتحقيق هدفك فإن إنطلاقتك ستكون خافتة وضعيفة وسرعان ماتنطفئ شمعتك ولن تستطيع الوصول حتى لربع الطريق ولا بد أن تتكامل هذه الرغبة مع رغبات المحيط الذى حولك
 .
 
وإن أمتلكت الرغبة فيلزمك القدرة لتكتمل المعادلة ، أي يلزمك المهارات والأدوات المناسبة والإمكانات الشخصية والمعرفة والعلم وأحيانا الموهبة والتدريب اللازم لتصل لغايتك ولابد هنا ايضا ان تتكامل القدرات الشخصية مع توفر الموارد البشرية والمادية في المحيط الخارجي  .
لذلك القائد الكاريزمي يعمل على تحقيق التناغم بين الرغبة والقدرة من خلال تعزيزالرغبة عند الموظفين بتحفيزهم ومن يعملون معه والقدرة على المتابعة بتوفير الإمكانات اللازمة للتنفيذ وتحقيق الهدف وتوفير التعليم والتدريب اللازمين.
 
الحزم الراقي:
نحن بشر ونتعامل مع بشر ولم نصل بعد لتلك المرحلة التي يكون كل من يعمل معنا وتحت أمرنا مكائن وآلات وإنسان آلي ، لذلك كلما زاد احترامنا وتقديرنا لظروف من حولنا من البشر كلما زاد حبهم واحترامهم لنا وبالتالي زاد تقديرهم لعملهم وولائهم للقائد وللمؤسسة .
 
إذا الكاريزما في عالم الإدارة أحد هؤلاء ، إما أن يكون نجما لوسامته أو نجم إعلامي أو لاعب مشهور أو ممثل الخ  .
أو زعيما كرئيس دولة أو قائد عسكري أوأن يكون مديرا أو قائدا .
 
وهناك من ينتمى لأكثر من نوع في نفس الوقت ، وقد يوجد الكاريزما المثالي الذي يجمع الأنواع الاربعة في آن واحد .
ولك الحمد ربي فلم نجد في التاريخ جمع تلك الصفات وأكثر عنها ويتمتع باقصى درجات الحضور الطاغي شكلا ومضمونا مثل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
 
هل تقتصر الكاريزما على الأشخاص ؟
أعتقد أن بعض الجوانب اللاملموسة في حياتنا قد يكون لها حضور طاغي في حياتنا ، فتجد في أحد الجامعات تخصص علمى يحظى باختيار معظم الطلاب لأنه اجتمعت فيه بعض الصفات كما تجتمع في الشخص الكاريمزي ، كأن يكون في دراسة هذا التخصص نوع من المتعة والمعرفة المتجددة واستجابة لرغبات العقل أكثر من باقى التخصصات الأخرى
 .
وقد  يكون لنوع من التصاميم المعمارية ذات طراز تقليدي معين حضور طاغي في شكل المباني والمساكن في دولة ما وعلى فترات زمنية متكرة ومتعاقبة فهل نستطيع ايضا أن نطلق على تلك الطرز من المعمار كاريزما معمارية .
فلنبحث عن مقومات وصفات الكاريزما في ذواتنا ، فلربما كانت تلك الذات الكاريزما .

تعليقاتكم

لا يوجد تعليقات حالياً.


(success)
Start chat button