الزكاة وعلاقتها بالإيمان

07/10/2018 التعليم | د. عبدالرحمن سلمان الحمادي

 3489     1

 الحمد لله  وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،

  أمّا بعد:

  فرغم كون الزكاة ركنًا من أركان الإسلام؛ إلا أن الناس فيها بين جاهلٍ مفتقر إلى شيء من العلم والمعرفة، أو مفرّطٍ متهاونٍ بشأنها وباخلٍ بها؛ إلا من رحم الله نسأل الله العافية.

وقد يكون مرجع ذلك كلّه إلى تقصير المسلم نفسه في الوقوف على منزلة الزكاة وعلاقتها بالإيمان.

  ولعلنا وفي هذه الوقفة الموجزة نبرز منزلة الزكاة وموقعها من إيمان المؤمن من خلال نقطتين بيانهما كما يأتي:


 

  أولاً: التعريف بالإيمان

 

  اعلم رحمك الله أن الإيمان كما قرره أهل العلم والعناية بالدين: إخلاص لله بالقلوب وشهادة الألسنة وعمل الجوارح.

واعلم أيضًا، أن أهل السنة قد قرروا أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، كما دلت النصوص الكثيرة على هذا، كما في قول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح:4]، وقال: ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر:31]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة:124 - 125].

  إذن؛ فالإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

  وهذا الأصل والمعتقد هو ما جرى عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، إذ كان يقول أحدهم لصاحبه: هلم نزدد إيماناً، ويذكرون الله، ويقرأون القرآن. 

  فإذا أمر الإنسان بالمعروف ونهى عن المنكر، ودعا إلى الله، وقرأ القرآن زاد إيمانه، وإذا غفل أو عصى نقص إيمانه.

  فعقيدة أهل السنة والجماعة تقوم على أن الإيمان اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، وأنه يزيد وينقص.


 

ثانيًا: مكانة الزكاة من الإيمان

 

  في بيان مكانة أركان الإسلام عمومًا وركن الزكاة خصوصًا وعلاقتها بالإيمان، أُورد إليك كلامًا جميلا للإمام الجليل أبي عبيد القاسم بن سلام – رحمه الله - في كتابه الإيمان حيث قال: 

  "والأصل في ذلك – أي أن: الإيمان يكون بالنية والقول والعمل جميعاً - إتباع ما ابتعث الله عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل به كتابه، فوجدناه قد جعل بدء الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فأقام النبيّصلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة يدعو إلى هذه الشهادة خاصة، وليس الإيمان المفترض على العباد يومئذ سواها، فمن أجاب إليها كان مؤمناً، لا يلزمه اسم في الدين غيره، وليس يجب عليهم صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا غيرِ ذلك من شرائع الدين، وإنما كان هذا تخفيفاً على الناس يومئذ رحمة من الله لعباده ورفقاً بهم؛ لحداثة عهدهم بجاهلية وجفائها، ولو حمّلهم الفرائض كلّها معاً نفرت منه قلوبهم، وثقلت على أبدانهم، فجعل ذلك الإقرارَ بالألسُن وحدها هو الإيمان المفترض على الناس يومئذ، 

فلما أثاب الناس إلى الإسلام وحسنت فيه رغبتهم، زادهم الله في إيمانهم أن فرض عليهم الصلاة، ففعلوا، ووالله لو لم يفعلوا ما نفعهم إيمانهم الأول، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم زادهم الله في إيمانهم بأن صرف الصلاة إلى الكعبة، بعد أن كانت إلى بيت المقدس فقال سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة:144]، ثم خاطبهم وهم بالمدينة باسم الإيمان المتقدم لهم، 

فلما نزلت الشرائع بعد هذا وجبت عليهم وجوب الأول سواء، لا فرق بينها، لأنها جميعاً من عند الله وبأمره وبإيجابه، فلو أنهم عند تحويل القبلة إلى الكعبة أبوا أن يصلّوا إليها وتمسكوا بذلك الإيمان الذي لزمهم، والقبلة التي كانوا عليها، لم يكن ذلك مغنياً عنهم شيئاً، ولكان فيه نقض لإقرارهم، لأن الطاعة الأولى ليست بأحق باسم الإيمان من الطاعة الثانية، 

فلما أجابوا الله ورسوله إلى قبول الصلاة كإجابتهم إلى الإقرار، صارا جميعاً معاً هما يومئذ الإيمان، إذ أضيفت الصلاة إلى الإقرار.

والشاهد على أن الصلاة من الإيمان قول الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيم﴾ [البقرة:143] وإنما نزلت في الذين توفوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم على الصلاة إلى بيت المقدس، فسئل رسول اللهصلى الله عليه وسلم عنهم، فنزلت هذه الآية[أخرجه البخاري]. فأي شاهد يُلتمس على أن الصلاة من الإيمان بعد هذه الآية؟ 

  فلبثوا بذلك برهة من دهرهم، فلما أن داروا إلى الصلاة مسارعة، وانشرحت لها صدورهم، أنزل الله فرض الزكاة في إيمانهم إلى ما قبلها، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ﴾ [البقرة:83] وقال: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ [التوبة /103] فلو أنهم تمسكوا بالإيمان السابق وأقاموا الصلاة غير أنهم ممتنعون من الزكاة كان ذلك مزيلاً لما قبله، ناقضاً للإقرار والصلاة كما كان إباء الصلاة قبل ذلك ناقضاً لما تقدم من الإقرار. 

والمصدق لهذا: جهاد أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالمهاجرين والأنصار على منع العرب الزكاة، كجهاد رسول اللهصلى الله عليه وسلم أهل الشرك سواء، لا فرق بينها في سفك الدماء وسبي الذرية واغتنام المال، فإنما كانوا ما نعين لها غير جاحدين بها، ثم كذلك كانت شرائع الإسلام كلها، كلما نزلت شريعة صارت مضافة إلى ما قبلها لاحقةً به، ويشملها جميعاً اسم الإيمان فيقال لأهله مؤمنون" ا.ه ملخصًا.


 

  أيها المسلم! إذا علمت أن الزكاة من الإيمان تدبر قول الله عزّ وجل: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [لأنفال:2- 4] فأخبر أن المؤمنين هم الذين جمعوا هذه الأعمال التي بعضها يقع في القلب مثل الخوف من الله والتوكل عليه، وبعضها باللسان مثل ذكره سبحانه، وبعضها بهما وسائر البدن مثل الصلاة التي جمعت بين حضور القلب والذكر وأفعال الصلاة البدنيّة، وبعضها بهما أو بأحدهما وبالمال مثل الزكاة التي جمعت بين حضور القلب بالنيّة وبذل المال، وفيما ذكر الله من هذه الأعمال تنبيه على ما لم يذكره، وفي كل ذلك دلالة على أن هذه الأعمال وما نبه بها عليه من جوامع الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص.

  إذا تقرر هذا الأصل العظيم -أن الزكاة سبب من أسباب زيادة الإيمان- فلنغتنم هذه الفرصة، ونبادر إلى تعلم الزكاة وأحكامها.. 

نتعلم شروط وجوبها.. 

نتعلم ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة..

وما هي المقادير والأنصبة التي تجب فيها الزكاة..

ونتعلم كيف نخرجها، وأين نصرفها..

ثم نبادر إلى إخراج زكاة أموالنا عن طيب نفس، ونعتبرها مغنماً لنا في الدنيا والآخرة، ولا نعتبرها مغرمًا، قال الله تعالى :﴿وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فالمؤمنون يعتبرون الزكاة حين يخرجونها قربات لهم, فيُوفّر لهم الأجر, ويُخلَف عليهم ما أنفقوا بخير منه؛ لنيتهم الحسنة ومقصدهم الأسمى. 

  فاتق الله أيها المسلم، واستشعر هذه المعاني ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


د. عبدالرحمن الحمادي

صندوق الزكاة

تعليقاتكم

1 Comments

Anonymous علق في 08/10/2018

ما شاء الله


(success)
Start chat button